بعد وقف حبس المدين في الأردن…كيف يتحايل البعض؟ وما هي أدوات الردّ القانوني الذكية؟

✍️د. تـينا …

ملاحظة من الكاتبة: 

هذا المقال كُتب من منظور قانوني توعوي عام، استناداً إلى خبرتي الأكاديمية في القانون، ويُقدَّم بأسلوب مبسّط لشرح الخيارات القانونية المتاحة بعد تعديل قانون التنفيذ الأردني.. ومع ذلك، يُنصح دائماً باستشارة محامٍ مزاول عند التعامل مع حالات محددة أو إجراءات قانونية تفصيلية.

منذ دخول تعديلات قانون التنفيذ حيز التنفيذ في الأردن أواخر حزيران، والتي نصّت صراحة على إلغاء حبس المدين في القضايا المالية التعاقدية، بدأ كثير من الدائنين يواجهون تحديات صادمة في تحصيل حقوقهم، فقد خرج مئات المحكومين من السجون، وعادوا إلى حياتهم دون سداد ما عليهم، مستفيدين من الثغرة الأبرز في المشهد الجديد: “عدم وجود وسيلة ردع مباشرة عبر الحبس”.

لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الإفراج، البعض – وللأسف – استغل هذا القانون لتوسيع هامش التهرب، عبر نقل أملاكه لأفراد أسرته، خاصة الوالد أو الوالدة، محاولاً خلق واجهة قانونية تحميه من أي حجز أو متابعة مالية، فهل تنتهي القصة هنا؟ قطعاً لا.

في هذا المقال، نكشف الأدوات القانونية التي يملكها الدائنون، ونوضح كيف يمكنهم التحرك فوراً لاستعادة قوتهم في وجه هذا النوع من التلاعب.

أولًا: إذا اكتشفت أن المدين نقل أملاكه… ما العمل الفوري؟

طلب منع سفر عاجل:

أول خطوة ضرورية، على الدائن التقدم فوراً بطلب منع سفر للمدين أمام المحكمة المختصة، هذا الإجراء يحمي من هروب المدين خارج البلاد أو تصفية أي ما تبقى من أمواله.

رفع ثلاث دعاوى قانونية متزامنة:

  1. دعوى تهريب أموال (أو ما يُعرف قانونياً بـ”دعوى عدم نفاذ التصرف”)…

هذه الدعوى تُرفع عندما يكون هناك دليل أو قرينة على أن المدين نقل أملاكه لشخص قريب منه (غالباً والده أو والدته أو فرداً من عائلته ) بعد أن بدأ النزاع أو تراكم الدين، بقصد واضح للتهرب من السداد، القانون الأردني يعتبر هذا التصرف باطلاً في حال ثبت سوء النية.

كيف تثبتها؟

إبراز سندات الملكية السابقة التي كانت باسم المدين.

مقارنة تاريخ نقل الملكية مع تاريخ صدور الشيك أو الدعوى الأصلية.

إثبات أن الشخص الذي نُقلت له الملكية لا يملك مصادر مالية تؤهله للشراء (مثلاً: والدته ربة منزل، ولا يوجد تحويل مالي حقيقي).

إثبات أن المدين ما زال يستخدم تلك الأملاك (يسكن فيها، يديرها، يُؤجرها، يقودها إن كانت مركبة).

مدى القوة:

دعوى تهريب الأموال تُعتبر الأقوى والأخطر، لأنها تفتح الباب ليس فقط للحجز، بل أيضاً للملاحقة بتهمة الاحتيال على القانون، والتي قد تتحول إلى دعوى جزائية في حال ثبوت النية الإجرامية.

  1. دعوى إخفاء الذمة المالية.. ” طلب قضائي لإلزام المدين بكشف الذمة المالية”

في الأردن، هذا لا يُرفع كدعوى مستقلة، بل يُقدَّم كـطلب داخل الدعوى الأصلية، أو طلب منفصل ضمن ملف تنفيذ.

وعموماً هذه دعوى تُجبر المدين على كشف ذمته المالية كاملة: أرصدة بنكية، ممتلكات منقولة وغير منقولة، أسهم، شركات، وحتى الأملاك المسجلة بأسماء غيره إذا ثبت أنه المنتفع الحقيقي منها.

كيف تثبتها؟

تقديم طلب للمحكمة لإلزام المدين بكشف الذمة المالية.

دعم الطلب بكتب رسمية موجهة إلى:
البنك المركزي.
دائرة الأراضي والمساحة.
دائرة مراقبة الشركات.
رصد التناقض بين أسلوب حياة المدين الفعلي (سيارات، عقارات، سفر وأماكن يرتادها من فنادق ومطاعم ) وما يُصرّح به رسمياً.

مدى القوة:

تُعتبر دعوى إخفاء الذمة قوية جداً من الناحية المدنية، وتكمن خطورتها في أن الكذب أو التلاعب بالمعلومات يُعرّض المدين لعقوبات جزائية لاحقة، مثل التزوير أو تضليل العدالة.

  1. دعوى الإثراء بلا سبب ..” استخدامها تكميلي وتقديري بحسب اجتهاد القاضي”.

هي دعوى تكميلية، تُرفع عندما يُثبت الدائن أن المدين ما زال ينتفع من أملاك أو أموال دون أن تكون باسمه، ودون وجه حق، وعلى حساب الطرف المتضرر.

كيف تثبتها؟

إثبات أن المدين يسكن في شقة باسم والده مثلاً أو يقود سيارة باسم امه مثلاً أو ينتفع من بطاقه بنكيه باسم شقيقه مثلاً ، أو يُدير عملاً أو مشروعاً، رغم أنه “رسمياً” لا يملك شيئاً.
الاستعانة بشهادات جيران أو موظفين، أو حتى فواتير خدمات

(كهرباء، ماء او أي فاتورة) تثبت الاستعمال الفعلي.

الربط بين الواقع المعيشي للمدين وكونه مدعى عليه بدين ثابت.

مدى القوة:

هي أقل قوة من الدعاوى السابقة، لكنها تُشكل رافعة دعم مهمة، لأنها تثبت أن المدين لا يعيش حياة “معدمة” كما يدّعي.

هل يمكن رفع هذه الدعاوى معاً؟

نعم أكيد، القانون لا يمنع، بل يُشجّع على استخدام أكثر من أداة لحماية الحقوق المالية، ما دامت الوقائع مختلفة لكن متكاملة.

في كثير من الحالات، يُنصح برفع الدعاوى الثلاث بشكل متزامن، لإحاطة المحكمة بحقيقة الوضع من جميع جوانبه.

وماذا عن الحبس؟ هل يمكن أن يُحبس رغم إلغاء حبس المدين؟
الجواب: نعم، ولكن ليس بصفته “مديناً”، بل إذا:

ثبت عليه التزوير أو الكذب في كشف الذمة.

ثبت أن نقل الملكية تم بقصد الاحتيال وتضليل المحكمة.

تعمّد استعمال واجهات قانونية (مثل الوالدين والإخوة ) للتهرب من تنفيذ الأحكام.

في هذه الحالات، تدخل القصة في نطاق القانون الجزائي، وتصبح العقوبة حبساً فعلياً، لا علاقة له بالحجز المدني.

وقف الحبس لا يعني ضياع الحق، لكن الصمت يعني بالضبط ذلك.

إذا شعرت أن مدينك بدأ يتذاكى بنقل ملكياته لأهله أو تغييب نفسه مالياً، تحرّك فوراً:

اطلب منع سفر، واجهه بدعاوى دقيقة، وثّق كل قرينة صغيرة… وكن متيقظاً، فالقانون لا يحمي من نام، بل من واجه بذكاء.

وأخيرًا، من المهم التوضيح أن بعض الأدلة المذكورة في هذا المقال (مثل شهادات الجيران أو فواتير الخدمات) تُعد قرائن مساعدة، لكن المحاكم تتعامل معها بحذر، وتتطلب دعماً بأدلة إضافية قوية.
كذلك، عند تقديم الطلبات المتعلقة بكشف الذمة المالية، يجب توجيهها إلى الجهات الرسمية المختصة، مع العلم أن البنك المركزي لا يُعطي بيانات فردية مباشرة، بل تُطلب عبر البنوك التجارية التابعة له.

وأُذكّر أيضاً أن طلب إلزام المدين بكشف ذمته المالية لا يُرفع كدعوى مستقلة، بل كطلب مرفق ضمن الدعوى الأصلية أو ملف التنفيذ.

هذه التفاصيل لا تُقلّل من قوة الأدوات القانونية، لكنها توجه استخدامها بذكاء وبما يتناسب مع واقع القضاء الأردني.

المحرر

المحرر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *