الأسد الصاعد: من شمس فارس إلى أنفاس يهوذا.. حين تنطق الحرب بلسان الرموز

د. تـينا … حين اختارت إسرائيل أن تُطلق على حربها ضد إيران اسم “الأسد الصاعد”، بدا الاسم عسكريًا في ظاهره…
لكن رمزيته التاريخية تكاد تلسع الذاكرة السياسية والثقافية لإيران، والعالم.

فالأسد… كان يومًا رمز الدولة الإيرانية الملكية، ووقف على العلم الوطني بجانب الشمس، شاهقًا، قبل أن تسقطه ثورة الخميني عام 1979.
واليوم، يعود “الأسد”، لا كتميمة قومية، بل كإعلان حرب.

لكن أيُّ أسدٍ هذا الذي “يصعد” من بين الرماد؟

الأسد على العلم: من عرش الدولة إلى منفى المعنى

حتى عام 1979، حمل علم إيران رمزًا أسطوريًا مزدوجًا:

أسد فارسي يحمل سيفًا وخلفه شمس مشرقة
هذا الشعار هو خلاصة هوية ملكية–زردشتية–قومية، ترمز إلى القوة والحكمة والنور.
بعد الثورة الإسلامية، تم استبداله بشعار جديد ذي طابع ديني، وتحوّل الأسد إلى رمز منبوذ.

مفارقة الرمزين: الأسد الزردشتي مقابل الأسد التوراتي

    في عمق التسمية “الأسد الصاعد” التي أطلقتها إسرائيل نفسها على عمليتها المحتملة ضد إيران،
    تسكن مفارقة رمزية دينية–تاريخية مذهلة:

    الأسد في الذاكرة الفارسية – رمز الشمس والنار والزردشت


    الأسد الذي كان يعلو العلم الإيراني قبل 1979، ليس مجرد شعار ملكي بل هو:

    أسد الشمس .. حامل السيف رمز القوة والنور في المعتقد الزردشتي الذي تمزج فيه النار بالحكمة، والشمس بالسيادة.
    الأسد هنا هو مخلوق كوني–روحي، مرتبط بالملك الإلهي، بالنور الأسمى، وبالحق.

    الأسد في التوراة – يهوذا المنتصر، وشهوة الحرب
    أما في السياق اليهودي التوراتي، فالأسد ليس فقط رمزًا للقبيلة الأقوى، بل للسبط المختار:

    “الأسد من سبط يهوذا، قد غلب” (سفر الرؤيا 5:5)
    “جثا ربض كأسد، كلبوة، من يقيمه؟” (سفر التكوين 49:9)
    الأسد هنا هو رمز النبوة، والغلبة، والحرب باسم الله.

    إسرائيل تنتزع الأسد من إيران… وتُعيد تعميد

    حين تسمي إسرائيل عمليتها العسكرية ضد إيران بـ”الأسد الصاعد”، فهي لا تستفز الجمهورية الإسلامية فقط…
    بل تنتزع الأسد من شمس فارس وتُعيد صبغه بوهج توراتي.

    فكأنها تقول:

    “إيران كانت يومًا مملكة نور (الأسد–الشمس)…
    لكن الآن، الأسد الحقيقي يصعد منّا، نحن شعب الله، ليفترس كهنة النار.”

    صراع الرمزين: من الشرق القديم إلى حرب 2025

    الأسد الإيراني الزردشتي = نار الحكمة والسيادة الأرضية
    الأسد اليهودي التوراتي = قوة العقيدة وسيف العهد المختار
    كلاهما يدّعي الحق، والنار، والشرعية الإلهية.
    لكن “الأسد الصاعد” الإسرائيلي…
    ليس مجرد هجوم على منشآت نووية، بل هو:
    حرب رمزية على هوية إيران قبل الإسلام، قبل الخميني، قبل كل شيء.

    إذن، حين يُقال اليوم “الأسد الصاعد”، فالسؤال ليس عسكريًا فقط، بل رمزيًا:
    هل نحن أمام محاولة إسقاط النظام الإسلامي في طهران؟
    أم أمام عودة الروح إلى ما قبله؟

    رضا بهلوي: الأمير المنفي في مرآة النار

    رضا بهلوي، ابن الشاه المخلوع، يعيش في المنفى منذ عقود، ويُقدَّم أحيانًا في الإعلام الغربي كـ”صوت إيران الحرة”.
    رغم افتقاره للقوة العسكرية، إلا أن حضوره الإعلامي تضخّم مؤخرًا، وبدأ يُطرح كخيار رمزي لإيران ما بعد الثورة.

    في هذا السياق، يصبح “الأسد الصاعد” ليس فقط:

    اسم عملية حربية، بل أيضًا: تلميحًا إلى عودة إيران الملكية، أو على الأقل، محاولة تحفيز الإيرانيين على التخلّي عن النظام الديني.
    الأسد الصاعد إذًا…
    قد يكون ابن الأسد الذي نُفي قبل نصف قرن.

    إسرائيل ولعبة الرموز: من الخوف إلى الإحياء

    اختيار اسم “الأسد” لحربٍ ضد إيران يحمل مفارقة عجيبة:

    إيران الإسلامية، اليوم، تصف نفسها كقوة أسد في المنطقة، تقود “محور المقاومة”.
    لكن إسرائيل تختار أن تسمي الضربة القادمة بالأسد الصاعد،
    وكأنها تسحب الرمز من يد عدوتها، وتضعه في يد عدوها الداخلي: الملكية السابقة.

    هل هو تلاعب نفسي–ثقافي؟
    هل هو إحياء متعمد لذاكرة الإيرانيين بحكمٍ كان أكثر انفتاحًا على الغرب؟
    هل يُراد زرع الشك في جدوى استمرار “ولاية الفقيه”، عبر بعث صور الأب والابن من رماد المنفى؟

    النبوءة التي تبتلع ذاتها: هل يولد الأسد من الدمار؟

    إن عاد رضا بهلوي بطريقة ما، ولو معنويًا، فسيكون ذلك عبر سيناريو مأساوي–تفكيكي يشبه أسطورة “العنقاء”، وليس عبر عودة سلسة.

    لكن:

    هل الإيرانيون مستعدون؟
    وهل الغرب فعلاً يؤمن بعودة الملك؟
    أم أن “الأسد الصاعد” مجرد اسم… لهث خلفه الرمز، دون أن يدرك أنه طُعِمَ للنار؟
    خاتمة:

    الأسد لم يمت… بل انتقل من راية وطن إلى راية حرب.

    “الأسد الصاعد” اليوم، قد يكون اسمًا لمشروع تدميري–تفكيكي، وقد يكون نبوءة غربية تعكس حنينًا لإيران علمانية قوية تواجه العرب من جديد.
    أو ربما هو… مجرد اختبار رمزي في عقل الشرق، ليختار من فيه:

    بين أسد التاج… وذئاب العمائم.

    🔹 ملاحظة:

    هذا المقال لا ينطلق من اصطفاف سياسي أو ديني مع أي طرف، ولا يعبّر عن دعم لأي مشروع عسكري أو نظام حاكم. بل هو قراءة رمزية–تاريخية في تسمية “الأسد الصاعد” كما ظهرت في سياق الحرب المحتملة بين إسرائيل وإيران، وتحليل لأبعادها الثقافية والدينية والتاريخية.

    الهدف من هذا النص هو تفكيك المعاني التي تُخبئها الرموز، وكيف يمكن للأسماء أن تحكي صراعًا أكبر من السلاح… صراعًا على الهوية، والذاكرة، والتاريخ.

    المحرر

    المحرر

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *