المـلاذ- غربال
في عالمٍ مليء بالمسلمات، لا أحد يجرؤ أن يقول ما أكتبه الآن
منذ صغري، قيل لي إننا أرض محتلة، وأن إسرائيل سلبتنا الجولان، فصارت جولاننا “مغتصبة”.
لكن أحدًا لم يقل لي إنّ هذا الاحتلال… ربما أنقذني.
أنا ابنة الجولان…
ولدتُ تحت الاحتلال، نعم، لكنني لم أعرف البراميل،
ولا رأيت زنازين المخابرات ولا صيدنايا وخفاياه، ولا حفظت نشيد “الأسد أو نحرق البلد”، ولا رقصت لمراسم الموت البعثي.
كبرتُ في ظل رايةٍ قيل لي إنها راية العدو، لكنها – عن غير قصد – حمَتني من الوطن.
في السنوات الأخيرة، شاهدت سوريا تُقطع كما تُقطع الذبيحة:
بسكين النظام، بسكاكين الجماعات، بسكاكين “الحلفاء”.
أما أنا، فكنت على هامش المجزرة… في حديقةٍ منسية.
واليوم، حين أقرأ في القناة 12 الإسرائيلية، أن الجولان سيُعلن “حديقة للسلام” في اتفاق ما، توقفت.
كيف يمكن لأرض محتلة أن تُصبح رمزاً للسلام؟
كيف يتحوّل الجرح إلى زهر؟
كيف نعيد تعريف المفاهيم حين تنهار القواعد؟
هل الجولان محتل؟
أم نجا من الجريمة الكبرى التي حوّلت سوريا إلى رماد؟
هل يُغفر للعدو لأنه لم يذبحنا كما ذبحنا “أحباؤنا”؟
وهل يُمكن لسلام معيب أن يكون أرحم من “وطن” مقنّع بالجحيم؟
لا أملك كل الإجابات… لكنني أجرؤ اليوم على طرح الأسئلة التي لم يُسمح لنا بطرحها.
ربما ما عشناه لم يكن احتلالًا فقط، بل عزلة سماوية، عزلة مؤقتة لنحيا.
أنا لا أمجّد الاحتلال، ولا أنكر الظلم التاريخي.
لكنني أقول: أحيانًا، يكون الخلاص في أكثر الصور تناقضاً.
وها هي جولاني — جولان الغياب — تعود… لا كأرض محررة
بل كـ”حديقة سلام”.
وقد يكون هذا، رغم كل ما في داخلي من صراع، أجمل ما يمكن أن تكونه الآن.