اللواء الركن المتقاعد ممدوح نباص – عضو مجلس الأعيان الأردني
** جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة ، شاملاً ، حيث حمل في طيّاته رسائل استراتيجية عميقة، تجاوزت الطرح البروتوكولي إلى رسم ملامح المرحلة المقبلة للدولة الأردنية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
** جاء الخطاب الملكي السامي ليؤكد أن الأردن يدخل مرحلة جديدة من البناء والتحديث الأداري بثقة واقتدار، بعد أن أنجز خطوات إصلاحية متقدمة في المسارات السياسية والاقتصادية والإدارية. وقد بدا واضحاً أن جلالته أراد أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، حكومة وبرلمان ومؤسسات وأفراد ، وذلك للمضي في ترجمة الرؤى إلى واقع ملموس يلمسه المواطن في حياته اليومية.
** و تجلّت في الخطاب الملكي ملامح فكر استراتيجي عميق، يُدرك التحديات ويقرأ المتغيرات الإقليمية والدولية ، بوعي ومسؤولية، ويوازن بين ضرورات الإصلاح ومتطلبات الاستقرار. فحين تحدّث جلالته عن دور مجلس الأمة، كان يؤكد أن العمل النيابي الحقيقي يجب أن يقوم على الأداء لا الشعارات، وعلى الرقابة البناءة لا المعارضة لأجل المعارضة، وأن المسؤولية الوطنية تتطلب الأنحياز للمصلحة العامة بعيداً عن الحسابات الضيقة.
** كما ركّز جلالته على أولوية تحسين الواقع الاقتصادي وتوفير فرص العمل للشباب، مشدّداً على ضرورة تفعيل برامج التحديث الاقتصادي ضمن منهجية مستدامة تستند إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقد أشار الخطاب بوضوح إلى أن الإصلاح الاقتصادي ليس مجرد مشاريع أو خطط، بل هو ثقافة إنتاجية جديدة تقوم على الابتكار والمساءلة والانضباط الإداري.
** أما في البعد السياسي، فقد حمل الخطاب رسالة ثقة بالمواطن الأردني، ودعوة للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، بما يعزز المسار الديمقراطي الذي يسير فيه الأردن بخطى ثابتة ، فالتعددية السياسية والبرامجية التي أكد عليها جلالته هي جوهر التطور السياسي المنشود، وهي ركيزة لتجديد الدماء في المؤسسات المنتخبة وإرساء ثقافة العمل الحزبي المسؤول.
** وفي البعد الوطني والعروبي، جاء تأكيد جلالة الملك على الموقف الثابت تجاه القضية الفلسطينية ، كعنوان راسخ في وجدان الدولة الأردنية. فحديثه عن القدس وعن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ، رسالة متجددة للعالم بأن الأردن سيبقى الصوت الصادق والضمير الحي للأمة في الدفاع عن الحق والعدل والسلام العادل.
** إن الخطاب الملكي السامي يعكس رؤية قيادية متقدمة تتعامل مع الواقع بعمق وتوازن، تجمع بين الطموح والواقعية، وبين الثبات على المبادئ والانفتاح على المستقبل، هو خطاب وضع النقاط على الحروف، ورسم خريطة طريق وطنية متكاملة تُلزم الجميع بالعمل والإنجاز بعيداً عن الوعود والكلام.
** لقد حمل جلالة الملك في كلمته روح القائد الذي يرى المستقبل بعينٍ بصيرة، ويقرأ بين سطور التحديات فرصاً جديدة لبناء دولة قوية حديثة، تستمد قوتها من ثقة شعبها ووحدة مواقفها وصلابة مؤسساتها.
** وفي النهايه ، يمكن القول إن خطاب جلالة الملك كان بمثابة وثيقة سياسية وطنية تؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني الجاد ، وتعيد التأكيد على أن الأردن ، بقيادته الهاشمية الحكيمة – ماض بثقة في مسار التحديث الشامل، مستنداً إلى إرثه العريق وإيمانه الثابت بالإنسان الأردني وقدرته على البناء والعطاء.
