بوشهر.. المفاعل الناجي أم المفاعل المشروط؟

هل نجا مفاعل بوشهر باتفاق سري؟ في ظل تدمير فوردو ونطنز وأصفهان: لماذا لم يُمسّ أكبر مفاعل نووي إيراني؟

✍️د. تـينا … في خضم التصعيد العسكري والاستخباراتي الذي شهدته الساحة الإيرانية خلال الأشهر الماضية، لم يكن مفاجئًا أن تُستهدف المنشآت النووية الحساسة في فوردو، نطنز وأصفهان بضربات متزامنة ومدروسة نُسبت للولايات المتحدة من خلال تصريح مباشر لترمب أمس، ومع ذلك، يبقى السؤال الأبرز والأكثر إثارة في المشهد النووي الإيراني: لماذا لم يُستهدف مفاعل بوشهر؟

بوشهر.. المفاعل النووي الوحيد الباقي

مفاعل بوشهر، الواقع على الساحل الجنوبي لإيران، هو الأضخم والأقدم في البلاد، ويُدار منذ سنوات طويلة بالتعاون مع موسكو، وعلى عكس المنشآت التي تعرضت للتدمير، لطالما وُصف هذا المفاعل بأنه ذو طابع “مدني” ويعمل لإنتاج الكهرباء فقط، دون علاقة مباشرة بتخصيب اليورانيوم.

لكن في لعبة التوازنات الدولية، لا وجود لـ”المدني” البريء بشكل مطلق، وغياب أي استهداف لبوشهر وسط حملة قصف ممنهجة ضد البنية النووية الإيرانية، يطرح فرضيات معقدة.

فرضية التسوية: النظام مقابل بوشهر

ماحدث قد يشير إلى احتمال أن تكون هناك تسوية غير معلنة أبرمتها طهران مع القوى الغربية، ربما عبر وسطاء إقليميين أو عبر خطوط ساخنة سرية، مضمون هذه التسوية المزعومة؟
الإبقاء على النظام ووقف الحرب مع إسرائيل مقابل تجميد البرنامج النووي عمليًا، مع الحفاظ على واجهة نووية واحدة فقط: بوشهر.

وبحسب هذه الفرضية، يتم السماح لإيران بالاحتفاظ بمفاعلها الأكبر – بوشهر – شريطة أن يكون خارج منظومة التخصيب تمامًا، ويعمل تحت رقابة دائمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع قيود تقنية تمنع تحويله إلى غطاء لتطوير سلاح نووي.

إشارة روسيا؟ حماية أم مقايضة؟

من غير الممكن تجاهل البُعد الروسي في هذا الملف، فمفاعل بوشهر بُني وشُغّل بتمويل وخبرة روسية، وما زالت موسكو تُشرف على العديد من جوانبه التشغيلية.
فهل امتنعت واشنطن عن قصفه تجنبًا للتصعيد مع روسيا؟
أم أن موسكو لعبت دور الضامن لتجميد طموحات إيران النووية مقابل تأمين حد أدنى من “الكرامة السيادية” لطهران عبر الإبقاء على مفاعل واحد نشط؟

الصفر تخصيب.. هل أصبح سياسة إيرانية رسمية؟

مع تدمير مواقع التخصيب في فوردو ونطنز وأصفهان، تشير معظم التحليلات إلى أن قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم قد شُلّت بشكل فعلي، أو على الأقل تراجعت بنسبة تتجاوز 80٪.
وفي حال كان مفاعل بوشهر خارج دائرة التخصيب أصلًا، فإن الرسالة تكون واضحة:
الملف النووي الإيراني لم يُغلق بالكامل، بل أُعيد إلى المربع الأول – مفاعل كهرباء تحت وصاية دولية، بلا طموحات عسكرية.

رسائل داخلية وخارجية

قد تكون طهران قبلت بهذه “الخسارة المحسوبة” مقابل الحفاظ على بقاء النظام، وتوجيه رسالة داخلية مفادها أن إيران لم تُجثث بالكامل، بل ما زالت تملك مفاعلًا نوويًا – حتى لو كان شكليًا – يحمل رمزية الاستقلال والتقدّم.

أما خارجيًا، فربما اختارت واشنطن ترك بوشهر قائمًا لتجنّب اندلاع حرب إقليمية كبرى، والاكتفاء بتوجيه ضربة تقنية – لا وجودية – للمشروع النووي الإيراني.

بوشهر.. المفاعل الناجي أم المفاعل المشروط؟

في ظل غياب إعلان رسمي عن أي صفقة، تبقى هذه التساؤلات مفتوحة أمام التحليل والمراقبة.
لكن ما لا يمكن إنكاره: نجاة بوشهر لم تكن مصادفة، وفي الجغرافيا السياسية، لا ينجو شيء مجانًا.

المحرر

المحرر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *