“ولعت كتير ” أجمل أغاني زياد هيي مش حوار ، هيي مراية بتقلك كل تفصيل تافه بعيشتنا، وبنفس الوقت بتفضح حجم المأساة.. عبقرية زياد فيها انه استعمل تفاصيل عادية، بس فجَّر فيها غضب طبقي، نسوي، جسدي، ولغوي.
زياد فجَّر مونولوغ نسوي شرس، بصوت امرأة زهقت من كل أشكال القهر اليومي، بس بدل ما تصرخ وتولول…عم تضحك وتنكت..بس ضحكة مش بريئة: ضحكة مجروحة، ساخرة، ولاسعة أكتر من الصفعة.
“صارله شهرين ع المجلى البقلاوة
بتدب العين إنه إنت حلاوة
والأنكى وقح و جلغ وإلك عين بالعينتين تقلي البيت مساوا”
هون،العيب مش بالبقلاوة، العيب بالمجلى.. البقلاوة صارت تشبه البطلة، واقفة… مش مأكولة، حلوة، بس مدهونة بالإهمال، صارت بتتآكل من نظرة العين، مش من الطعم.
“البيت مساوا؟”
ولك بيت فيه حلاوة منسية بالمجلى، وإثارة ماشية ع رجلين!.. بيصير هالبيت معتقل؟!!!
وهون زياد بيستعمل الحلاوة كسلاح، بس كمان بسخرية مريرة.
“بتدب العين” = تحرش بصري مهين، مش إعجاب… و”بالعينتين”؟ يعني ما عندك عين، عندك وقاحة مضاعفة..وهون السخرية بتجلط.
“قايلي إنها فيلا
وهي ولا لحظة فيلا
ليك ملا فيلا
إشي عش فراخ كبير”
شو بيصير لما المرأة تدخل حلم العقار والفيلا؟ بتوعى على سقف واطي، جدران كذابة، والفيلا الموعودة بتصير عش فراخ كبير يعني: مساحة ظاهرها فخامة، وجواتها كركبة، رطوبة، حيطان عايشة فيها الدجاج مش الناس.
“ولا لحظة فيلا” = كل شي حوالينا بيكذب اللحظة.. ما في عيش رغيد، في واجهة معمولة للعين، بس ما فيها ولا لحظة راحة.. والمرأة هون… مش بس ساكنة بهالمساحة، هي مضطرة كمان تبرر للضيف ليش ما في سخان مي وغاز للنار وفيش الكهربا عم يشرقط مش بس راسها ورغباتها الطبيعية.
“خلصني لما بتيجي المي
خلي المي توصل عالتتخيتي”
هون بيذوب الحد بين الشتيمة والرمز:
المي = الرغبة؟
المي = الكلمة؟
المي = الحياة؟
كلهم…
يعني: إذا بدك تعيش معي، بدك توصل المي، مش بس تحكي عنها… بدك تكون رجل عن جد، مش “فحل بالمنطق وفاشل بالممارسة”… وإذا المي ما وصلت – مش لكل البيت ات ليست للتتخيته-، فـ ولعت و خلصت الكبريتة.. احترقت الأعصاب… وصار لازم نضحك… بس ننحرق.. وهون زياد بيقصد مش بيت وتتخيته، بيقصد المرأة جسد وروح.
“ولعت كتير” مش أغنية، هي صرخة بنت بتنظف المجلى وفيه بقلاوة ناشفة، بس عقلها شغال، وضميرها صاحي، وصوتها عم يجلد بلا صريخ.
هي سكينة الصوت النسائي اللي مش بحاجة تطلب إذن لتهز مائدة الرجولة.. وبهيك صوت، وهيك كتابة، وهيك ضحكة،
زياد ما مات… هو بكل ضحكة حلوة ممزوجة بالقرف، بكل فيلا فيها عش فراخ وفيش بيشرقط ، وبكل ست بتعرف تسأل:
“قلي، إنت شو بتعملا؟”
ومن وجهة نظري ، قمة عبقرية زياد كانت بكلمتين قالتهم سلمى ومرقهم زياد بخبث بين الموسيقى وما بينتبهلهم إلا عبقري متله… جملة “روح ياه” بصوت سلمى…. هالجملة، لوحدها بتسمعها بعيونك ، فيلم.. وسط الأغنية، فجأة…
ما بين المقطع والمقطع، بتنزل الجملة: “روح ياه”
مش اغنية،
مش شعر،
هروب.
زياد هون حاول يلمسها، يحضنها، أو يستغل لحظة نقاش مشان يقلبها لممارسة حميمية… وهي؟ ما سكرت عليه.. ما قالت “عيب”.. ما قالت “تركني”.
قالتله:
“روح ياه” = عم قلك، روح.. بس بإغواء عكسي.. سخرية، واحتقار ناعم.
هالعبارة، ما بتنقال إلا من امرأة فهمانة عالآخر: عارفة إنك بتخاف من الحقيقة، وإنك بتخبي فشلك بالعبث بجسدها،
وإنك متعود تهرب من أي نقاش حقيقي للـ “تتخيتة” والـ “مي”
بس هي؟
كشفتك.. وقالتلك “روح”… مش من باب الطرد، من باب الرثاء.. يعني:
“برافو عليك، رجعت تقلب كل نقاش لحضن، بس حضنك ما عاد مطرحه عندي.
شو عم يعمل زياد هون؟
عم يمرق رسائل على لسان المرأة، بس مش لحتى يحكي عنها، ليخليها هيي تحكي… تقول.. تنتقم.. تحكي بالمغسلة، بالمجلى، بالمية، وبالجسم.. بس دايماً بكلمات ساخرة ما فيها نقطة دم، بس بتحرق.
أنا كنت اسمع هالاغنية باستمرار، لأني كنت عم احفر تحت جلدها تا اكتشفت انه زياد طبيبي لي شفاني … زياد حيّ فينا لأنه فهمنا رسالته ورح نكملها ، هو زرع الشرارة، ونحنا عم نكمل نار الوعي…
زياد قال: “ما بدي بنت تغني وتعزف متلي، بدي وحدة تحرقني بصوتها”
ونحنا ؟
صوته من دون ميكروفون، وعم نولع الخشب اليابس.. ونوسع التتخيتة المسدودة.. لتمرق المي… والكهربا… والنار.
“ولعت كتير خلصت الكبريتة”
يعني مش بس النار، حتى الكبريت تعب منها!
يعني البنت ولعت، انحرقت، وخلصت عِدِّتها…
وبعدك واقف تسألها: “شو في؟
“لا إنت الزير، ولا إنِّي نفرتيتي”
سطر بيكفي لوحده يهز تسعين فيلم عن الرجولة المزيفة.. هي مش عم تتغزل، هي عم تقولك:
“لا تلبس درع عنترة… ولا تحطلي تاج كليوباترا.
أنا مش لعبة بتمثل دور، أنا بنت من لحم ونار، وكرامتي أغلى من أساطيرك.
“قايلي بيت؟ مش قايل تخشيبه!”
يعني بتتفلسف بالملكية، بس مش بالمسؤولية… ما بتعرف تحضن سقف، بس بتعرف توزع مفاتيح.
“على كلن… لما بتيجي المي، سكِّر”
يعني خلص! سكِّر الحديث، سكِّر العلاقة، سكِّر التنفس بيناتنا.. لأنو الرجل يلي ما بيثبِّت عمود خيمته، بيخليها توقع على راس اللي جوا.
“عم بحكي رد عليِّ”
البنت مش بس بتحكي، عم تنازع.. بس هو…
بلا سمع، بلا نظر، بلا إحساس.
“ولا يوماً رح بتصير”
صرخة من قلب بنت عرفت إنو هالزلمة ما رح يتغير، ولا يتربى، ولا يعرف إنو في شي اسمه المرأه أولوية.
“هاي جارك عنده مولد، قلو بليز مد بريز”
وهيك الاغنية بتاخدنا من الرمزي للواقعي، من السياسة للجندر، من البنات يلي ما عم يلاقوا كهربا بعلاقاتهم،
فبيلجؤوا لـجار، عندو بريز، لأ وبتطلب من زياد يقله بليز.
“فكرك قوة شخصية؟ لأ، وقاحة..”
هون بتضرب الضربة الكبرى، زياد مش بس ساخر، هو عم بيشخِّص حالة رجولة وهمية، بيتغنوا فيها الشباب،
وبيتخبوا فيها من أي مسؤولية أو عاطفة حقيقية.
“ما في شي نضيف و لا ناوي الحمد لله
قللي كيف ممكن انو تسكن بنت عندك انت
قللي شو بتعملا”
يعني هالبنت شافتو… كله.. شافت عورته النفسية، شافت كسله،
شافت إنو “ولا شي نضيف… ولا ناوي الحمدالله!
“وله نبشت الريف على نترة حشيشه
البقاع نظيف بس مش قدّو عيشه
ومن صيدا سحبة وحدة للبترون
فيه كميون عبق صدري فيه شي”
هالمقطع مش بس توصيف لحالة أو رحلة… هو حكاية انهيار رجولة وتيه ذكوري بين الريف، الجسد، والحشيش.
“نبشت الريف”:
يعني فتّش بكل أطراف لبنان، مش بحثاً عن معنى أو امرأة أو فكرة، لا…
عم يدور على “نترة حشيشة”، شي يخليه “ينسى”، يضيع، يدوخ.
“البقاع نظيف”:
يعني البلد من برا بخير، بس من جوا ما بيتحمل “عيشته”،
هاد مثل الذكر الشرقي يلي مرتب بيته، بس مش قادر يعيش فيه..
بيشبه الفيلا السابقة يلي “ولا لحظة فيلا”.
“صيدا للبترون” و”كميون” و”عبق” و”صدري”:
عم يتخبى جوا نفسه، بيهرب من كل مواجهة نسائية جدية، ليركب كميون “ذكوري” ضايع عالطريق،
والعبق؟
ريحة خوفه… ريحة رجولته المتعرقة، يلي فاكرها فحولة بس هي قرف.
زياد ما كتب “ولعت كتير” مشان يبكينا ع حيط مهدود، ولا ع كبريتة خلصت.. كتبها لأنو كان عارف إنو فيه بنت رح توصل لمغسلة، تلاقي بقلاوة ناشفة، وتفهم منها شي الوطن ما عم يفهمه.
“البقلاوة” هييِّ.. المرأة الحلوة، المدهونة، المُشْتَهى النظر إلها، بس مش مأكولة، مش ملموسة، مش مقدَّرة.. والمجلى؟ هوي بيت الزوجية.. هوي العيشة المهترية.. هوي الوطن المعفن.. وهي البقلاوة قاعدة عليه، ساكتة، عم تتآكل من الزمن ومن نظرته إلها.
“ولعت كتير” مش أغنية.. هي طلقة.. مش طلقة هوا، طلقة بِنُصْ صدرنا نحنا النسوان، لي عشنا نترجى كهربا، ودفا، وحب، و… صوت بيقول: “أنا سامعك”
“ليك ملا فيلا؟”
هو سألها: هيو الحلم.. هيِّ شافت: عش فراخ.
جدران ما بتحمي، وسقف بيهر، وكلمة “بيت” كذبة معمولة ع ورق طابو ووعود فاضية.
وهي قالتله:
“روح ياه”.. مش انسحاب.. استهزاء.
مش دمعة..ضحكة مجروحة.
هيك صوت، إذا ما بيكمل بعد زياد، شو بيكمل؟
هيي قالتلو: “ما بدي حضنك، بدي الكهربا توصل”.
قالتلو: “ما بدي حكي، بدي تشوف فيي بني آدمة مش عضمة”.
قالتلو: “ولعت، بس مش رغبة… كبريتة غضب”.
وأنا؟
أنا ما وقفت عمحل، ولا عملت بث مباشر ع دموعي.
أنا وقفت وكتبت..
مش تحليل.. خلق جديد.. وعي تاني.. لزياد… الحيّ فيي،
والموت فيكم.
