الأفراح عامره في عمان.. وبغزة كمان “عن الاحترافية الأردنية بالتعامل مع حرب ٧ أكتوبر”

د. تينا المومني …

أطنان من المساعدات الإنسانية تتحرك براً وجواً، تحذيرات، و سيناريوهات عسكرية تُرسم, حمايةً لسيادة الأردن وأراضيه, وحدوده, وسعي دائم إلى حل عادل للصراع الدائر … كان هذا منذ أول يوم في الحرب الإسرائيلية على غزة .

اليوم وبعد سنتين من ذروة الصراع الدائر في الشرق الأوسط الذي تسببت به الحرب ، يُدرك الأردنيون معنى أن نحظى بـ كاريزما سياسية صوتها العقل عقيدتها السلام، ولغتها الإنسانية… اليوم يُدرك الأردنيون لماذا ولطالما كانت تلك الكاريزما مرجعية تحظى بشرعية شعبية وطنية ، لأنها وفي كل حدث داخلي أو دولي وبمنطقة تتسم بعدم الاستقرار والصراع, تقود انتفاضة حقيقية بخطاب سياسي وإنساني يحاكي هموم الجميع على اختلافاتهم، ويراعي مطالبهم بعدالة, هنا يبرز دور القيادة كاستحقاق وليس فقط سلطات في الدستور … قد لا نستطيع تغيير ما حدث من دمار و قتل خلال حرب غزة، لكننا نراهن على حكمة وعقل ودبلوماسية تلك الكاريزما السياسية الخلاقة.. نتحدى بجلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني التحديات الآتيه فلا ننكسر ، فكل عام وجلالة القائد وغزة بخير , كل عام ونحن جبابرة.

خلال عامين من الحرب الاسرائيلية على غزة، التزم الأردن ـ بثبات ـ بدوره التاريخي كوسيط في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بالتزامن مع الدبلوماسية السياسية الداعية لوقف الحرب ومنع التصعيد, ومع الإغاثة الإنسانية ، والحفاظ على سيادة الأردن وحدوده، وأيضاً احتواء الغضبة الشعبية الداخلية عن ما يحدث في غزة والسماح بالتظاهر وحماية المتظاهرين.

وفي استذكار لبعض المحطات والمواقف الدبلوماسية التي قادها الملك بمهارة لن ننسى عندما ألغى جلالته قمة متعددة الأطراف مع الرئيس الأمريكي بايدن واستبدلها بزيارة إلى مصر في التاسع عشر من أكتوبر ٢٠٢٣ داعياً لوقف فوري لإطلاق النار، رداً على مجزرة المستشفى المعمداني، فبتلك الأثناء كانت قد اندلعت احتجاجات ضخمة في كل محافظات المملكة، وقام رجال الأمن العام بدورهم بكل احترافية في حماية المتظاهرين من جهه ومن جهة أخرى بتوجيهها بعيداً عن المناطق الحساسة مثل السفارات والحدود، لقد حقق جلالته حينها التوازن بين رجل الدولة وقائدها و صانع السلام وبين احتواء الشعب وإدارته وبين الإنسان الذي كافح من أجل التخفيف عن معاناة أهل غزة ومساعدتهم.

فإضافة إلى النداءات المستمرة التي أصدرها الملك بضرورة التدخل ووقف الحرب والتصعيد، قام جلالته بـ عشرات الزيارات الدبلوماسية و مئات من الاجتماعات مع زعماء العالم، و مئات المكالمات الهاتفية، دعا خلالها الى حل سلمي و دعم الشعب الفلسطيني، أما عن دور الأردن اللوجيستي كبوابة إنسانية فقد تغلب الأردن على كل العقبات والتحديات حيث قام بإرسال أكثر من ٣٤١٤ شاحنة مساعدات و ١٢٢ عملية إنزال جوي إضافة إلى ٢٦٦ عملية إنزال جوي مشترك مع دول اخرى، إضافة إلى المستشفيات الميدانية الأردنية العسكرية في غزة .

لقد سارع الأردنيون – كغيرهم من العرب- إلى الشوارع اليوم احتفالاً بانتهاء الحرب ، لكن الأردنيون علاقتهم مع أهل غزة مختلفة ، لقد عاش الغزيين في يومياتهم، كانوا جزءاً من بكاءهم ، جزءاً من صلاتهم وجزءاً من عجزهم وآلامهم، فلم يكن خلال عامين قضية تستحق أن يستنفر الأردن من أجلها أكثر من قضيتهم، لم يقتصر الأمر على الإعلام الأردني بل تمنى الأردنيون جميعاً لو ملكوا شاشات العالم كله كي يبقوا صور الشهداء من الأطفال والنساء وتلك الصرخات والمناشدات مسمّرةً عليها، من أجل تعرية ما كان يحدث في غزة من اعتداءات وحشية، وتعرية الصمت المذل للعديد من دول العالم وإعلامه ومن أجل كشف الحقيقة.

الأردنيون علاقتهم مختلفه مع أهل غزة وفرحتهم بانتهاء الحرب مضاعفة، لأن وطنهم هو حيث تجمعهم المشاعر الإنسانية عندما يختلفون في كل شيء- لأنهم نشامى- ، وطنهم حيث تسقط الإقليمية الضيقة قبل أن تسقط تلك الدمعة العالقة بين رمشي طفلة من غزة.

المحرر

المحرر