حسام معروفحفظ لوقت لاحق مشاركة
بيئة ومناخ نحن والبيئة فلسطين
السبت 9 نوفمبر 202401:12 م
“لم تكن علاقتي مع الأرض والمزرعة علاقة ريفيّ بمهنته. فكل شتلة داخل أرضي كانت بمثابة ابنة أو ابن لي. مزرعة التوت هي عائلتي التي تم تدميرها”.
هكذا بدأ يحيى شبات حديثه لرصيف22، معبراً عن حسرة فقده لمزرعته وتدمير مكوناتها من قبل الجيش الإسرائيلي في بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة.
يتابع شبات: “عملت بالتدريس لوقت طويل، وعلّمت الأجيال الصاعدة معنى الانتماء للأرض، تماماً كما كنت أعلّم شتلات الفراولة الانتماء لها، وها هي إسرائيل تضرب كل من يحب هذه الأرض وينتمي لها”.
سكت المزارع وهو يحكي عن أرضه، ومزرعة الفراولة التجارية التي بناها لتُنتج الحياة وتقدّم الخير للناس.
للعام الثاني على التوالي، يبدأ موسم الفراولة في قطاع غزة دون أي قدرة لدى المزارعين على متابعة عملهم والاعتناء بمزارعهم، أو جني المحصول وقطفه.
شكل إنتاج الفراولة في شمال قطاع غزة- الذي بدأ بمساحة تجريبيّة في أواخر الستينيّات ثمّ أخذ بالاتساع بعد نجاحه- أحد المصادر الاقتصادية المهمة، وصار رمزاً لغزّة في خارجها. إذ زُرع حوالي 730 دونماً سنوياً. واعتمد عليه نحو 1,500 مزارع، أعالوا نحو 6,000 فرد.
وفي حين وصل الإنتاج عاماً قبل حرب الإبادة إلى 11 ألف طنّ، توزّع في الأسواق المحلية والدولية كدول الخليج وأوروبا- فصارت الفراولة بمثابة رمز لغزّة- دمرت إسرائيل ما يقارب 67.7% من المساحات المزروعة في غزة، بحسب بمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، حتى سبتمبر/أيلول 2024، ومن سلمت أرضه، سيكون عمله فيها محفوفاً بالمخاطر والموت، وتحديات توفير مستلزمات الإنتاج كالمياه والكهرباء والأسمدة.
لكن المتضرر في قطاع الزراعة ليس الأرض وحدها، بل نفوس زارعيها التي تُزهق. تواصلتُ مع المهندس يوسف أبو ربيع، صاحب مبادرة “حنزرعها”، لدى البدء بكتابة هذا التقرير، لكنه لم يجب لمدة يومين. وحين دخلت حسابه على فيسبوك لأتفقد أحواله، أدركت أنه استشهد قبل يوم من مراسلتي له، وبعد أن عمل على تزويد الناس شمال غزة بالمحاصيل التي منعت إسرائيل دخولها إلى غزة.
خسارة العاطفة والمال
مع اشتداد القصف العنيف على شمال غزة، ومنذ بدء حرب الإبادة، توغلت الآليات العسكرية لتمسح المحاصيل وبنيتها التحتية، دون أي رادع، بقصد تخريب حياة الإنسان على هذه الأرض وتهجيره، وخلق أزمات غذائية مضاعفة بعدما حظرت دخول المواد الغذائية لا سيّما لدى بدء حصارها الأخير للشمال.
ومناطق الشمال كانت توفّر سلة غذائية لباقي المدن ولمدينة غزة، وهي الأراضي الوحيدة التي تُزرع فيها الفراولة الأرضيّة والمعلّقة.