“٧٦ ذكرى” للاستقلال.. ويستمر التاريخ


تينا المومني … مؤسف، وبتلك المرحلة التي يواجه فيها العالم تحديا خطيرا أن ينقسم أغلب الأردنيين خلال احتفالاتنا بعيد الاستقلال إلى تيارين تقريبا، الأول احتفل بفطرته الوطنية، والثاني، كال التساؤلات عن البذخ بمظاهر الاحتفالات، وعن تطلعاتنا وطموحاتنا مسقطا من الكأس نصفه الممتلئ بالإنجازات، كما لاك فيه البعض أسطوانة التشكيك ذاتها باستقلالنا بحكم أننا مدينون لصندوق النقد والبنك الدوليين.

المسار الأفقي الواضح والسريع بهذا الصدد أن ذكرى الاستقلال هذا العام تحديدا مختلفة، لأنها تزامنت مع حركة التمرد الروسي على التاريخ في حربه الثانية على أوكرانيا التي وصفها بوتين حرفيا بأنها “حرب ضد التاريخ”، وذلك ردا على العالم الذي أصدر شهادة موت للصراع الجيوسياسي وأخرى للتاريخ عام 1989 عند انهيار الاتحاد السوفياتي، وأعلن العالم أيضا بدء مرحلة كونية جديدة يتفرغ فيها العالم لمعالجة قضايا وحل نزاعات أخرى، كنزع سلاح الدمار الشامل، وقضايا اقتصادية وقانونية وبيئية وحقوق الإنسان، وتعميق الليبرالية، والتغير المناخي.

يعيش العالم الآن تحديا كبيرا للغاية- ولسنا بمعزل عنه- ومجرد الصمود أمامه وأمام إفرازاته من تحديات اقتصادية واحتواء تداعيات ذلك التحدي، هو بمثابة استقلال جديد لكل دولة ناجية من مخاض المشاحنات العالمية المحمومة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تعد تكريسا حقيقيا للصراعات المبنية على التوسع وفقا لموازين القوى والمصالح، وإعادة كتابة تاريخ بعض الدول وإعادة رسم جغرافيتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى احتمالية تغير العقيدة الاستراتيجية الأمريكية التي تعاني من قدرات محدودة بهذا الصدد فعلاقاتها مع الغرب مقلقة من جهة ومن جهة أخرى توتراتها مع الصين بسبب تايوان، الصين.. التي تنسج على منوال روسيا في الثأر من الغرب لأنهما يزدريانه وكما يصفانه أنه بانحدار مستمر.

وبالعودة على ذي بدء، مؤسف أن ينقسم وعي الشارع الاردني بتلك المرحلة التي يواجه فيها العالم تحديات جيوسياسية وتحولات تاريخية، إلى أولا: وعي طفولي فطري انفعالي، حتى وإن كان صادقا بريئا وعفويا، ثانيا: وعي شعبي انجر خلف آلات إعلامية وخلف زخم جماهيري، وعي سبح فيه المثقفون والبسطاء أيضا في الفراغ، وترديد مقولات وطرح انتقادات واستفهامات تحمل طابعا مثاليا بعيدا عن الواقع ومنفصلا عن ما يحدث في العالم والمحيط، لن أطيل هنا لأشير إلى أهمية الوعي السياسي كحالة إدراك ذهني للعالم من حولنا بتاريخه وجغرافيته وقضاياه السياسية، حالة الوعي تلك ستقودنا تباعا من مرحلة الاهتمام وفهم البيئة السياسية من حولنا إلى مرحلة القيام بأدوار سياسية فردية نشطة ثم المشاركة السياسية الجماعية.

ولو فرضنا-جدلا- أن كل آراء الشارع وانتقاداته وطرق تعاطيه مع احتفالات ذكرى استقلالنا صحيحة، أو قمنا باحتوائها وتقبلها لا بد لنا من إدراك حقيقة أن ذكرى استقلال مملكتنا ليست كينونة معزولة عن سياق التاريخ، وأن مساحة مملكتنا جغرافيا هي 89342 كيلومترا مربعا، وأننا الآن في العام 2022 حيث كل بقعة جغرافية بهذا الكون وفي أي لحظة قابلة للاشتعال، اذا ليس هذا هو الوقت المناسب للتعالي على التاريخ وانتقاد جذوره، الذكرى 76 للاستقلال ليست كأي ذكرى سابقة كان من الطبيعي جدا أن نحتفل بمنجزاتنا أيا كانت واحتضان تاريخنا والتربع على جغرافيتنا كي نحافظ على الأردن ونضيف إليه الارتقاء بوعينا السياسي وتجارب شعبنا الحضارية لنفرز أردنا جديدا نقدمه بفخر لأجيالنا الشابة.

المحرر

المحرر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *